“صُداع جتني دوخة” هل أصبح الزواج في اليمن مُرهِقا إلى هذا الحد؟

شعيب الحربي /
لعلّ كلكم، أو أغلبكم، لاحظ -مستغرباً- ظهور أغنية غريبة وسخيفة في الوقت ذاته ترافق حفلات الزفاف في المجتمعات اليمنية في الآونة الأخيرة.
في الحقيقة لم تكن هذه الأغنية هي الوحيدة التي تتطفّل على ثقافتنا البديعة، وذائقتنا الفنّية الراقية، إذ سبقها الكثير من الأغاني في السنوات الأخيرة.
ولكن المثير للدهّشة والإستغراب، أنّ هذه التي اسميتها أغنية قبل قليل ليست أغنية أصلًا، إنما مجرّد أهزوجة مبتذلة أشبه بتلك الشعارات المستفزّة التي يهتف بها المناحكون في ملاعب كرة القدم.
“صُداع جتني دوخة..”
إيقاع قصير مُملٌّ، وجملة واحدة من ثلاث كلمات فقط، لا تمتُّ إلى مشاعر الفرح المفترض به أن يسيطر على قلوب المُقدمين على الزواج بأي صلة.
قبل أسابيع قليلة كان أحد الأصدقاء يحدثني عن الموضوع ذاته بنبرة ساخرة وحزينة في ءآنٍ واحد، وأتذكر أنني شعرت بالأسى والسخرية أيضًا، ولا أعتقد أن أحداً منكم يتبنى وجهة نظر أخرى غير هذه، أي أننا جميعًا نتفق على رفض هذه الأغاني الهابطة التي تشوّه سمعة ثقافتنا الجميلة.
ولكن دعوني اختلف معكم قليلاً بشأن هذه الأغنية، أو الأهزوجة، أهزوجة “صداع جتني دوخة”…فربما استقطابها إلى بيئتنا لم يكن أمرًا إعتباطيًا..
دعونا ننظر من زاوية مختلفة، إلى كلمات الأهزوجة مرة، وإلى الأوضاع الفظيعة التي يعاصرها هذا الجيل المنحوس، والتّغيرات ( السلبية بالطبع) التي حدثت وما زالت تحدث إلى اليوم مرة.
إلى الشباب اليمني “الشقيّ بحظّه”، والذي لا يصل إلى ليلة الزفاف إلا بعد أن يبلغ به الجهد مبلغه، وذلك لما يلاقيه في طريقه من عقبات مضنية مختلفة، كإرتفاع المهور، وغلاء السلع، والمبالغة في متطلبات وتكاليف الزواج، فضلاً عن التفكير المفرط في كيفية قضاء الديون التي يلجأ إليها بعضهم، والتخوّف من مسؤليات ما بعد الزواج في ظلّ هذه الأوضاع الصعبة بالطبع، وكلّها أمور بإمكانها أن تصيبه بالصّداع والدوخة- وربما التقيؤ أيضًا على ثيابه – في يوم زفافه بدلًا عن الفرحة والبهجة.
وإذن، فقد وجد الشباب اليمني في كلمات هذه الأهزوجة ضالّته التي يستطيع أن يعبّر بها عن حاله ومشاعره.
إذن كما قلت لكم، لم تكن الأهزوجة معتبطة أو عبثية.
وفي الأخير، وبالعودة إلى المشكلة السابقة الذكر، والمتمثلة فى الأغاني الدخيلة على ثقافتنا الأصيلة؛ يبرز سؤال مهمّ لابدّ منه، ومن الإجابة عنه قبل ختام هذا المقال:
- متى ستعود الأجيال إلى الأغاني الحقيقية، والراقية بما تحتويه من ألحان مميزة، وكلمات معقولة تحاكي المشاعر وتلامس الوجدان؟
والإجابة بالطبع : أنّه متى اعتدلت الأسعار، وتوفّرت الأعمال، وتيسّرت المهور تنفيذاً لوصية الرسول، وتقلّصت التكاليف والمتطلبات، حينها فقط بإمكان الشباب أن يتجاوز أهزوجة “صداع جتني دوخة” عبوراً إلى “فرحتي فرحة الطائر رأى الفجر غبَّش..”
الأهزوجة عبارة عن مشهد قصير من مسرحية كويتية حقّق انتشاراً واسعاً في وسائل التواصل الإجتماعي.




